عندما نما إلى علمه أن البعض في الجيش يتجاهل التقارير حول سوء معاملة الجرحى في المستشفى العسكري (وولتر ريد")، أحاط "روبرت جيتس"، وزير الدفاع الأميركي، حسب مقربين منه، نفسه بغلالة من الصمت. لكن بعد أسبوعين كان القائد العسكري الذي يشرف على إدارة المستشفى قد أعفي من مهامه. والواقع أن هذا النوع من الصمت والركون إلى السكون هو أحد أدوات وزير الدفاع لمواجهة الفضائح بفاعلية وحزم، بدءاً من المواد النووية التي أسيئت حراستها في الولايات المتحدة، وليس انتهاءً بفضيحة اتخاذ المكان نفسه المخصص لحرق جثث الجنود الأميركيين (ممن يرغبون في ذلك) لحرق الحيوانات. وبالنسبة للذين يعرفون مسار "جيتس" خلال 28 عاماً التي قضاها في العمل الحكومي، فإن أسلوبه الهادئ والفعال في معالجة القضايا ليس أمراً مفاجئاً، وقد يكون كذلك فقط لمن يجهلون تاريخه ومدى جرأته وتطلعه لتغيير الأوضاع داخل الجيش الأميركي. فعندما عين "جيتس" وزيراً للدفاع في نهاية عام 2006، التقت حوله شكوك المحافظين، وآمال الليبراليين. فقد كان متوقعاً من "جيتس"، الذي كان وقتها عضواً في مجموعة دراسة العراق، وقف التراجع الأميركي في العراق، وبدء الانخراط الأميركي مع إيران. وقد بدا وقتها أن الواقعية السياسية عادت مجدداً إلى أروقة الإدارة الأميركية، وعندما سئل خلال حفل تنصيبه عما إذا كانت الولايات المتحدة تنتصر في العراق، رد بصراحة صادمة: "لا سيدي". هذه الصراحة هي ما علقت عليه آمال كبيرة في التغيير. لكن "جيتس" الذي لم يكن مؤدلجاً، صعّب من مهمة المراقبين في التنبؤ بالمجالات التي سيطالها التغيير المرتقب. فعلى مدى سبعة عشر شهراً التي قضاها في البنتاغون، كان الانتقال في أسلوب الرجل واضحاً، حيث صرح أحد المسؤولين في وزارة الدفاع، وقد رفض الإدلاء باسمه حتى لا يوصف بالتزلف، أن الرجل يمتاز "بروح الدعابة والصراحة". لكن التغييرات الحقيقية التي أدخلها "جيتس" على الجيش الأميركي كانت ذات طبيعة جوهرية. فحسب سلفه "دونالد رامسفيلد" يتعين على الولايات المتحدة استغلال فترات الهدوء العالمية لتحسين القدرات العسكرية الأميركية بحيث تصبح خارج إطار المنافسة على الصعيد الدولي. ورغم فترة الهدوء تلك، والتي كانت تعول عليها الإدارة الأميركية، سرعان ما انتهت مع هجمات 11 سبتمبر، فقد استمر "رامسفيلد" في التعامل مع حربي أفغانستان والعراق على أنهما حوادث منفصلة لا يجب أن تصرف انتباه الولايات المتحدة عن بناء قدراتها العسكرية. وهنا جاء "جيتس" ليسائل هذه العقيدة ويطرح السؤال التالي: لماذا لا نركز على الانتصار في الحروب التي يخوضها الجنود الأميركيون في هذه اللحظة؟ فقد أوضح "جيتس" في العديد من خطبه أن الحروب غير التقليدية، والقتال ضد الشبكات الإرهابية المختلفة، ستبقى الملمح الأساسي للحروب الأميركية مستقبلاً، وبأنه يتعين وفقاً لذلك توجيه التدريب والمعدات لتنسجم مع هذا الواقع. وشدد "جيتس" أيضاً على الحاجة الملحة لصياغة مواقف المدنيين من الحروب التي تخوضها أميركا لأنها بنفس درجة أهمية العمليات القتالية. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى ثلاث نتائج عملية للتغييرات الجديدة التي أدخلها "جيتس" على الجيش الأميركي. أولاً دافع "جيتس" عن إدخال التقنيات المفيدة في الحروب غير التقليدية، مثل استخدام الطائرات بدون طيار والتي ساعدت كثيراً في القضاء على المسلحين بمدينة الصدر وكانت أحد أسباب الموافقة على اتفاق الهدنة. النتيجة الثانية هي إدماج تدريس تقنيات مكافحة التمرد في المؤسسة العسكرية الأميركية والتركيز على أمور مثل المصالحة السياسية وتوفير الخدمات الأساسية للأهالي، وتعزيز الحكومة المحلية وغيرها من الوسائل. أما النتيجة الثالثة فتتجلى في مطالب وزير الدفاع بالزيادة في الإنفاق على الجانب المدني من الأمن القومي الأميركي مثل الجانب الدبلوماسي والتواصل الاستراتيجي، والمساعدات الخارجية، فضلاً عن التنمية وإعادة الإعمار الاقتصادي. مايكل جيرسون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"